سورة الأنعام - تفسير تيسير التفسير

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأنعام)


        


الاستهزاء والهزؤ: السخرية والاحتقار. حاق به المركوه: احط به.
بعد أن ذكر سبحانه مقترحات كفار قريش السخيفة وتعنتهم، وخفّف عن الرسول ما يلاقيه منهم من سوء الأدب- بيّن له انه ليس اول رسول يلاقي ما يلاقيه.. فان كثيرا من الرسل قبله لاَقوا من أقوامهم مثل ما لاقى بل أشدّ ثم أمر هؤلاء المكذبين أن يسيروا في الأرض ليروا كيف كانت عاقبةُ الذين كذّبوا أنبياءه من قبلهم.
والتفسير: لقد استهزأ الكفار برسل كرام قبلك، فأحاط بالساخرين العذاب الذي أنذرهم به رسلهمن جزاء على سوء صنيعهم. وفي الآية تسلية للرسلو الكريم عن إيذاء قومه له، وتعليم له بسنُنِ الله في الأمم مع رسلهم، وبشارة له بحسن العاقبة، وما سيحل بالمستهزئين من الخزي والنّكال. كذكل فيها تحدّ لهم: قُل يا محمد للمستهزئين بل من قومك: سيروا في الأرض، وتأملوا كيف كان الهلاك نهاية المكذبين لرسلهم، وكيف كانت عاقبتهم بما تشاهدون من آثارهم، ثم اعتبروا انتم بهذه النهاية، وذلك المصير.


كتب على نفسه الرحمة: أوجب على نفسه ايجاب فضل وكرم. سكن: من السكون، ضد الحركة، الولي: الناصر ومتولي الأمر. فاطر السموات والارض: بمدعها على غير مثال. وهو يُطعم ولا يطعم: هو الرزاق ليغره ولا يرزقه احد. يصرف عنه: يبعد عنه.
في الآيات السابقة ذكرَ اللهُ تعالى أصول الدين الثلاثة: التوحيد، والبعث والجزاء، ورسالة محمد، ثم ذك شبهات الكافرين الجاحدين وبيّن ما يدحضها، ثم أرشد إلى سننه تعالى في اقوام الرسل المكذّبين وعاقبتهم. وهنا يرد ذِكر هذه الاصول الثلاثة باسلوب آخر: اسلوب السؤال والجواب. ويسيرُ هذا الاسلوب في طريقين بارزين لاتكاد نجدهما بهذه الكثرة في غير هذه السورة. فهي تورد الأدلةَ المتعلقة بتوحيد الله، وتفرُّدِه بالمُلك والقدرة في صورة الشأن المسلَّم بالتقرير الذي لا يقبل الإنكار أو الجدل {هُوَ الذي خَلَقَكُمْ مِّن طِينٍ ثُمَّ قضى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُّسمًّى عِندَهُ ثُمَّ أَنتُمْ تَمْتَرُونَ وَهُوَ الله فِي السماوات وَفِي الأرض يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ} هذا الاسلوب.
أما الأسلوب الثاني فهو أسلوب التلقين: تلقين الحجة والأمر بقذفها في وجه الخصم حتى تحيط به من جميع جوانبه فلا يستطيع التفلّت منها، ولا يجد بُدّاً من الاستسلام لها. ففي حجج التوحيد والقدرة:
{قُل لِّمَن مَّا فِي السماوات والأرض قُل للَّهِ كَتَبَ على نَفْسِهِ الرحمة}
{قُلْ أَغَيْرَ الله أَتَّخِذُ وَلِيّاً فَاطِرِ السماوات والأرض...} الآية.
{قُلْ إني أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ}.
{قُلْ أَرَأَيْتُكُم إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ الله أَوْ أَتَتْكُمْ الساعة أَغَيْرَ الله تَدْعُونَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ}.
{قُلْ أَغَيْرَ الله أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ}
وفي حجج الوحي وبيان مهمة الرسول، وأن الرسالة لا تنافي البشرية، وفي إيمان الرسول بدعوته، واعتماده على الله، وعدم اكتراثه بهم، أو انتظار الأجر منهم:
{قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً؟ قُلِ الله شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ}.
{قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ الله ولاا أَعْلَمُ الغيب ولاا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يوحى إِلَيَّ} إلى آيات كثيرة.
وفي وعيدهم على التكذيب:
{قُلْ سِيرُواْ فِي الأرض ثُمَّ انظروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المكذبين}.
{قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ الله بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ القوم الظالمون}.
{قُلْ يا قوم اعملوا على مَكَانَتِكُمْ إِنَّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدار}.
{قُلِ انتظروا إِنَّا مُنتَظِرُونَ}.
وفي الرد عليهم في التحليل والتحريم من دون الله وتفنيدِ شبهتهم في الشرك وآثاره، وفي بيان ما حرم خاصة في الطعام، وعامة في نظام الله:
{قُلْ ءَآلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الأنثيين}.
{قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَآ أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً على طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً} الآية.
{قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَآ}.
{قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ}.
هذان الاسلوبان قد تناوبا معظم ما تصمنته هذه السورة العظيمة، والقرآن كله عظيم..
ويدل الاسلوبان على انهما صدرا في موقف واحد، وفي مقصد واحد، ولخصم واحد بَلَغ من الشدة والعتو مبلغاً استدعى من الله تزويد الرسول بعدةٍ وقية تتضافر في جملة شديدة يقذف بها في معسكر الاعداء، فتزلزل عمده، وتهد من بنيانه، فيخضع بالتسليم للحق.
{قُل لِّمَن مَّا فِي السماوات والأرض؟}.
قل ايها الرسول لقومك الجاحدين لرسالتك، المعرضين عن عدوتك: من هو مالك السماوات والأرض ومن فيهن؟ فان احجموا ولم يجيبوا، فقل الجواب الذي لا جواب غيره: إن مالكها هو الله وحده لا شريك له. لقد أوجب على ذاته العلية الرحمة بخلقه، فلا يعجل في عقوبتهم وانما يقبل توبتهم. ومن مقتضى هذه الرحمة ان يجمعكم إلى يوم القيامة.
{الذين خسروا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ}.
والذين ضّيعوا أنفسَهم، وعرَّضوها للعذاب في هذا اليوم هم الذين لا يؤمنوا بالله، ولم يصدقوا رسوله، ولا بيوم الحساب.
{وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي الليل والنهار وَهُوَ السميع العليم}.
فلله ما في السماوات والأرض، وله كل ما فيهنّ من ساكن ومتحرك في كل مكان وزمان، وهو السميع المحيط علمه بكل شيء.
{قُلْ أَغَيْرَ الله أَتَّخِذُ وَلِيّاً؟ الآية...}.
قل أيها النبي، أنا لا اتخذ غير الله إلهاً وناصرا، وهو وحده منشئ السماوات والأرض على نظام لم يُسبق اليه. روى عن ابن عباس انه قال: ما عرفت معى فاظر السماوات والارش، حتى أتاني اعرابيان يختصمان في بئر، فقال احدهما: أنا فطرتها، أي ابتدعتها.
وهو الرزاق لعباده طعامَهم، ولي هو بحاجة إلى من يرزقه ويطعمه. قل لهم يا محمد: بعد أن استبانت لكم الأدلة وجوب عبادة الله وحده، فأنا أُبلّغكم أنني قد أمرني ربي ان اكون أول من أسلم اليه، ونهاني عن ان اشرك معه غيره في العبادة. ذلك أني أخاف إن خالفتُ أمر ربي وعصيته، عذابَ يوم يتجلى فيه الرب على عباده ويحاسبهم على اعمالهم ويجازيهم بما يستحقون. إنه يوم شديد عند ذلك، فمن صرُف عنه العذاب ونجا من العقوبة، فقد رحمه الله، فدخل الجنة، وفاز عظيما.


المس: أعمًّ من اللمس، يقال مسه السوء أو الكِبَر أو العذاب أو التعب، أصابه.
الضر: الألم والحزن والخوف، القاهر: الغالب. الشهيد: الشاهد عن علم ويقين. الانذار: التخويف.
قعد أن بين سبحانه وتعالى ان صَرْفَ العذاب والفوزَ بالنعيم هو من رحمته تعالى في الآخرة- بين هنا ان الامر كذلك في الدنيا، وان التصرف فيها له وحده.
{وَإِن يَمْسَسْكَ الله بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ}.
إن يُصبْك الله بأي نوع نم الألم والسوء والحزن وغيره فلا صارف يصرفه عنك الا الله وان يمنحك خيرا كصحة وغنى وقوة وجاه فلا رادّ لفضله، وهو القادر على حفظه عليك، لأن التقدير على كل شيء.
وبعد أن اثبت الله تعالى لنفسه كمال القدرة، اثبت لها كمال السلطان والقوة، مع كمال الحكمة والعلم المحيط بخفايا الامور، فقال: {وَهُوَ القاهر فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الحكيم الخبير}.
وهوا لغالب بقدرته، المتسعلي على عباده، المتّصف بالحكمة في كل ما يفعل، هو المحيط علمه بما ظهر واستتر، والخبير بمصالح الاشياء، ومضارها، لا تَخفى عليه خوافي الامور.
{قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً قُلِ الله شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ}.
قل ايها النبي لِمَن يطلبون شهادة على رسالتك: أي شيء أعظمُ شهادةً وأحق التصديق؟ قل: إن الله اعظم شاهد بيني وبينكم على صدق ما جئتكم به، وقد أنزل عليّ هذا القرآن ليكون حجة لصدقي، لأحذركم به أنتم وكل من بلغه خبرُه.
واسألْهم: أانتم الذين تقولون، معتقدين، إن مع الله آلهة غيره؟ ثم لهم: لا أشهد بذلك، ولا أُقركم عليه، وانما المعبودُ بحق إلهٌ واحد هو الله ربي وربكمن، وأنا بريء مما تشركون به من الأصنام والأوثان.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8